أولًا: مسؤلية المحکم (المراجع).
التحکيم العلمي هو توظيف المنهج العلمي في تقويم البحوث المقدمة قبل نشرها وذلک من خلال إبراز نقاط القوة والضعف فيها، وتحديد مدى صلاحيتها للنشر، وهي حالة من الشک الإيجابي المشروع في العمل المراد فحصه، لمعرفة مکامن الضعف في العمل وتصحيحه بصرف النظر عن أي عوامل أخرى.
أ.فوائد التحکيم العلمي: وتکمن فوائد التحکيم العلمي، فيما يلي:
1. التقييم والنقد الدقيق لمختلف جوانب العمل العلمي لإظهار جوانب القوة التي يتمتع بها وإظهار نواحي القصور التي تعتريه.
2. إظهار مدى التزام العمل العلمي بخطوات المنهج العلمي وأساسياته، ومن ثم الحکم عليه وتقييم ما قدمه من جديد يمکن إضافته للتخصص العلمي الذي يتبعه الباحث.
3. التحکيم العلمي قد يمثل إضافة للعمل العلمي بما يبديه المحکمون من ملاحظات وتوصيات ترتفع بالعمل العلمي إذا أخذ بها الباحث.
4. التحکيم العلمي أحد أهم الجوانب الداعمة لتطور الإنتاج العلمي، حيث تعتمد أغلب المعطيات البحثية على مدى إفادة الباحثين من ملحوظات المحکمين ومقترحاتهم.
ب. أهداف التحکيم العلمي: وتتمثل أهداف التحکيم العلمي، فيما يلي:
1. وضع ضوابط ومعايير للمؤلفين في العلم بوجه عام.
2. تحسين جودة القرارات ومصداقيتها بشأن قبول النشر.
3. إيقاف البحوث العلمية منخفضة الکفاءة مبکراً والارتقاء بمعايير التخصص وإرسائها.
4. تقديم تقييم عادل غير منحاز وحذر وأمين للبحث العلمي.
5. الارتقاء بالجودة العلمية للبحوث العلمية .
6. تطوير مستوى الرسائل الجامعية، والعمل على إيجاد رسائل علمية يتوافر فيها أغلب المعايير التي لابد من توافرها فيها، کالترقي إلى مصاف الرسائل العلمية العالمية.
7. تحقيق هدف أساسي يتعلق بطالب الدراسات العليا، وهو منح الدرجة العلمية سواء کانت للماجستير أو الدکتوراه.
جـ. معايير التحکيم العلمي: نظرًا للاختلاف في الرؤية والنظر إلى البحوث المحکّمة من فاحص لآخر، کان من الضروري تحديد مجموعة معايير وضوابط للتحکيم تضمن لهذه البحوث قدرًا مناسبًا من الجودة،کما تحمي التحکيم نفسه من الإسفاف أو التردي في هوّة الإرتجال والمجازفة، أو تقديم الاعتبارات، أو المصالح الشخصية على المصلحة العلمية، وفي ذلک أکبر الضرر على البحث العلمي الذي يؤمَّل منه أن يکون سببًا رئيسًا في رقي الأمة، ووعي المجتمع، وتکمن أهمية وجود ضوابط ومعايير لتحکيم البحوث العلمية في الآتي:
1. إصدار أحکام وقرارات موضوعية على الأعمال البحثية صادقة وثابتة، فبوجود هذه المعايير يقضى على الإرتجال والعشوائية والرؤى الذاتية المتطرِّفة في التحکيم.
2. تحقيق المساواة والعدالة والنزاهة، فهي أدوات موحدة معروفة لدى الباحثين والمحکمين وعمادات الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعاتنا، وهي دعوة للباحثين إلى الإفادة من المعايير والضوابط المحدّدة في توجيه بحوثهم محتوى ومنهجًا ونتائج.
3. التخلص – نسبيًا – من مواطن الضعف والتجاوزات غير البناءة التي تعاني منها عملية البحث العلمي، فدراية الباحث بأبعاد تقويم بحثه من البداية يجعله يتلافى الأخطاء الشکلية والموضوعية والمنهجية والمطبعية واللغوية وغير ذلک، وتوافر هذه الضوابط يجعل الباحثين يقومون بتقويم بحوثهم ذاتيًا.
4. الحکم على البحوث العلمية والرسائل الجامعية من خلال بيانات موضوعية کافية؛ أي توخي الحکم العادل المنصف على الباحثين وبحوثهم، فالعدل يمثل حقًا فطريًا لکل فرد، ومطلبًا مشروعًا في آن واحد.
5. القضاء إلى حد مّا على تناقض قرارات المحکمين، الناتج– غالبًا– عن عدم کفاية المعايير الممارسة في تحکيم البحوث؛ حيث تتصف بالعمومية مما يؤدي إلى تناقض القرارات التي يتخذها المحکمون؛ لأن کل محکم يقيم البحث حسب أهليته الأکاديمية، وميوله الشخصية الإيجابية أو السلبية نحو الباحث.
6. وجود المعايير يضمن أن تحکّم البحوث والأطروحات بوضوح وبشکل دائم بناء على ما ورد في هذه المعايير، کما يوضح مستوى ونوعية الأطروحات التي يقدمها طلاب الدراسات العليا في أي جامعة.
7. وجود ضوابط ومعايير للتحکيم ينعکس إيجابًا على مستوى البحث العلمي في مجاله، وعلى تطوير وتوجيه قدرات المحکمين من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم، وتطوير قدرات الباحثين في مختلف الجوانب المنهجية والعلمية والشکلية.
مما تقدّم تتبيّن ضرورة تحديد معايير وضوابط علمية وفنية يتم على ضوئها تحکيم البحوث والرسائل تحکيمًا آمنًا، وتقويمها تقويمًا دقيقًا، من شأنه تحقيق أکبر قدر من السمو بالبحث العلمي وضمان أهدافه، وقد اقتضت الدقة في تحديد معايير التحکيم أن ينظر إليها في ثلاثة مجالات هي:
المجال الأول: معايير تحکيم البحوث العلمية.
لابد أن يکون عنوان البحث دقيقًا واضحًا خاليًا من العبارات المضللة.
وأن يتضمن البحث تعريفًا موجزاً بموضوع البحث، وأهميته، وأسباب اختياره.
وأهداف البحث ومنهجه إلى غير ذلک من المعايير التي وضعت کأداة للتحکيم العلمي للبحوث العلمية.
فلکل من هذه الأمور معايير لابد من الاهتمام بها من قبل لجان التحکيم المناقشة لهذه الأبحاث العلمية.
المجال الثاني: معايير تحکيم الرسائل الجامعية ومناقشتها.
ينبغي لمن يحکم الرسالة، أو يناقشها أن يعنى بتقويم الجوانب الرئيسة للرسالة.
کعنوان الرسالة والمقدمة وموضوعها وأهدافها ومنهج المؤلف في رسالته والجوانب المتعلقة بالباحث، والالتزام بضوابط الکتابة العلمية السليمة، وعلامات الترقيم على الوجه الصحيح، وتطبيق قواعد المنهج العلمي في النقل والاقتباس، وتناسق الرسالة من حيث الشکل والتنظيم والعرض المنطقي إلى غير ذلک من الأمور المتعلقة بالرسالة فلکل من هذه الأمور معايير موضوعة لابد للمحکم من مراعاتها عند مناقشة الرسائل العلمية.
المجال الثالث: معايير تحکيم تحقيق المخطوطات.
ثانيًا: ضوابط التحکيم العلمي .
إن وجود ضوابط للتحکيم ينعکس إيجاباً على مستوى البحث العلمي، وعلى تطوير وتوجيه قدرات المحکمين من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم، وتطوير.
قدرات الباحثين في مختلف الجوانب المنهجية والعلمية والشکلية.
فتحديد معايير وضوابط علمية وفنية يتم على ضوئها تحکيم البحوث والرسائل تحکيمًا آمنًا، وتقويمها تقويمًا دقيقًا، من شأنه تحقيق أکبر قدر من السمو بالبحث العلمي وضمان أهدافه، ومن أهم ضوابط التحکيم ما يأتي:
1. على المُحکم إبداء رأيه بنزاهة ودون تحيز أثناء تحکيمه للبحث.
2. تحکيم البحث بکل موضوعية وسرية تامة، وضمن اختصاصه وخبرته فقط، ويمکن له أن يوصي بترشيح أحد زملائه فيما ليس من اختصاصه.
3. تقديم ملاحظاته وآرائه وانتقاداته، وتوجيهاته ونتائج الاختبارات الإضافية إن وجدت حول البحث العلمي قيد التحکيم إلى الجهة طالبة التحکيم.
4. تقويم وتحکيم الرسائل الجامعية بموضوعية واحترافية عالية، وبيان وتدوين الانتقادات والملاحظات الواردة على الرسالة.
5. في حالة إشارة المحکم إلى الانتحال العلمي في المادة العلمية التي يقوم بتحکيمها أو وجود خلل علمي أيًا کان نوعه يلزم على المحکم الإشارة إلى الفقرات التي تم انتحالها مع إرفاق المرجع الأصلي المنتحل منه، کذلک في حالة الإشارة إلى وجود خلل علمي أياً کان يجب على المحکم الإشارة إليه بدقة وأمانة.
6. تحري الدقة في التمييز ما بين الخطأ في التحرير عند ذکر المرجع في المادة المحکمة وبين الانتحال العلمي، وبيان ما إذا کان الخطأ عن دراية وقصد أم عن سهو ونقص في خبرة صاحب المادة المحکمة.
ثالثًا: أخلاقيات التّحکيــم العلمي.
يقوم المحکّم بعمل مهم ومؤثّر في عملية تقويم الرسائل، والأبحاث العلمية المقدمة لأهداف وأغراض مختلفة، وقد تکون نتيجة التحکيم قبول الأعمال المحکّمة، أو ردّها بعد الحکم عليها بعدم صلاحيتها، ومواءمتها لما قدّمت له.
ونظرًا لخطورة ما يبديه المحکّم من رأي، وتأثيره البالغ على صناعة القرار بشأن رسالة علمية، أو بحث علميّ، کان من الضروري أن يتحلّى المُحکّم بأخلاق وقيم إيجابيّة، تتمثّل في الآتي:
أولًا: قيم شخصية المحکم الخُلقية والمعرفية:
1. مراقبة الله – سبحانه وتعالى.
2. إخلاص النية، والصدق في القصد، والقول، والعمل.
3. الأمانة، والنزاهة، وعدم التأثر السلبي بالعلاقات الشخصية.
4. الحلم والأناة، حتى لا يؤدي غضب المحکم أو استعجاله إلى عدم الإنصاف في الحکم.
5. العفة، والبعد عن الحرام کالرشوة الصريحة، أو المتلبّسة بالهدية.
6. المحافظة على الأسرار، وذلک من الوفاء بالعهد الذي حث عليه الإسلام، وعدم التشهير بالباحثين، أو وصفهم بما لا يليق.
7. معرفة ضوابط التحکيم العلمي ومعاييره، وتوافر الخبرة المناسبة في ممارسة التقويم، ليتمکن المحکَّم من الحکم على البحث العلمي بشکل جيد.
8. سعة الاطلاع العلمي، والاهتمام بموضوع البحث؛ ليستطيع المحکَّم الحکم على مدى جودة البحث وأصالة مادته، وتميُّزه عن غيره.
ثانيًا: القيم الخُلقية أثناء التحکيم:
1. الموضوعية، وتعني التقويم وفق ضوابط ومعايير تستمد جوهرها من سمات البحث العلمي الصحيح، مع التجرد عن الأهواء والأغراض الشخصية، والبعد عن الإرتجال والمجازفة في إصدار الأحکام.
2. عدم التأثر بالوساطات والضغوط التي قد يتعرض لها المحکم.
3. الاعتذار عن مهمة التحکيم عند وجود رابطة قرابة أو صداقة مؤثرة.
4. الاعتذار عن القيام بمهمة التحکيم إذا کانت البحوث في غير تخصصه.
5. أن يختار الوقت المناسب لقراءة الأبحاث التي يحکمها، فلا يکون في حالة غضب شديد، أو حزن أو نوم أو کسل أو شدة حر أو برد، بحيث يخرج فيها عن سداد النظر واستقامة الحال.
6. أن يحترم المحکّم جهود الباحثين، وأن يضعهم موضع نفسه، فما لا يرضاه لنفسه لا يتعامل معهم به، أو بمثله.
7. أن يتوجه المحکّم بملحوظاته إلى البحث، وليس إلى شخص الباحث.
8. عدم التأثير على الزملاء المحکمين الآخرين بما يمکن أن يجعل قراراتهم غير موضوعية، أو غير دقيقة.
ثالثًا: القيم التي تراعى أثناء صياغة التقرير:
1. الترفّع عن استخدام الکلمات أو العبارات الجافة أو الجارحة مهما کان تقصير الباحث.
2. الهدوء وعدم الحِدّة في تقديم الملحوظات.
3. أن يثمّن المحکّم جهود الباحث باعتدال، ودون مبالغة في مدحه والثناء عليه وإطرائه.
4. أن يکون النقد الموجّه إلى الرسالة أو البحث المحکّم نقدًا بنّاءً.
5. عدم البدء بالنقد، وإنما بالإشادة بجهد الباحث، ثم إيضاح جوانب النقص والضعف.
6. الالتزام باللغة الصحيحة الفصيحة في کتابة التقرير.
7. الوقوف عند کل ملحوظة بمقدار ما لها من الأهمية.
8. احترام آراء الباحث، وعدم مصادرتها بأي لون من ألوان المصادرة.
9. عدم إصدار الحکم بإجازة البحث أو ردِّه إلا بعد التثبت والتروِّي.
- نصائح وتوجيهات لطالب التحکيم ( المحکَّم له) هذه بعض النصائح والتوجيهات لطالب التحکيم (المحکَّم له).
إن ما ترغبون في تحصيله هو هدف وأمل نبيل يتمناه الکثير من الطلبة المتخرِّجين من مرحلة التدرّج في الدراسة الجامعية، وهي مرحلةٌ مهمّةٌ وحاسمةٌ في حياة الطالب إذْ من خلالها يدخل بوابة البحث العلميّ ومن ثَمَّ التدريس الجامعيّ، ومن خلال تجربتي الذاتية في المشارکة في تحکيم الرسائل والأبحاث العلمية ومن خلال تدريسي في الدراسات العليا ولقائي بالعديد من الباحثين ظهرت لي بعض الأفکار والرؤى أوجزها على شکل نصائح وتوجيهات ومنها:
نصائح قبل البدء في کتابة البحث أو الرسالة:
إخلاص النية لله تعالى وتتبعها حتى يکتب الله لک الأجر في ذلک.
الاستعانة بالله في عامة ما تکتب بل في عامة أمورک، فمن توکل على الله أعانه.
وضع الهدف الذي ترغب من خلاله الحصول على درجة علمية.
الثراء والتراکم المعرفي:
مما يُنصح به- أيضًا- أن يکون لدى الطالب ثراء وتراکم معرفي ويأتي هذا في مجال التخصص أساسًا من التحضير الجيّد المسبق، إذْ يعتبر التحضيرُ الجيِّدُ حجر الزاوية في نجاح أغلب الباحثين، ولا أقلّ من أن يخصّص الباحث ستّ ساعات في اليوم خلال مدّة معتبرةٍ قبل البدء في البحث وذلک حتّى يحصل لديه التراکم المعرفي المطلوب.
وقد أثبتت الملاحظات الميدانية والتجارب الواقعية أنّ أغلب الحاصلين على درجات علمية يتميّزون بثراءٍ معرفيٍّ معتبرٍ يستندُ أساسًا إلى تحضيرٍ جيّدٍ.
على الباحث اختيار أفضل الکتب المؤلفة في مجال ما يبحث فيه وذلک من خلال توجيه الأساتذة وملاحظته الذاتية .
ينبغي عليه أيضًا الاطلاع على الدراسات الحديثة المنشورة في الدوريات العامة والمتخصّصة؛ فکثيرًا ما تکون مواضيع البحوث مرتبطة بإشکالات متعلقة بموضوع البحث الذي يقوم به.
الاستدلال العلمي على الآراء والأفکار:
فجديرٌ بالباحث أن يبني أفکار موضوعه الأساسية على أدلة نقلية، وعقلية، أو نصوص ومقولات معتمدة لدى أهل التخصص، وذلک حتّى لا تظهر أفکارُه مبتورة عن غيره من الروّاد والسابقين في الحقل المعرفي الذي يهتم به.
الدقة اللغوية: وذلک باستخدام عباراتٍ موجزة معبّرة عن المعنى المراد من غير إطالةٍ أو تَکرارٍ أو استطرادٍ.
اللغة العلمية: وهي التي تستخدم اصطلاحات التخصص، وتتبنّى الموضوعية في عرض الأفکار والآراء من غير تحيّزٍ أو مَيْلٍ لا يستندُ إلى أساسٍ علمي، ويظهر فيها التواضع والاحترام والتقبل لمختلف الآراء والأفکار.